- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، أرحب بكم في هذه اللقاء الجديد من برنامج : " ربيع القلوب " .
لكم بداية تحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية سالم المري ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
نواصل معكم مستمعينا الكرام تدبر آيات الله تعالى ، هذا اليوم نتوقف عند آيات من سورة آل عمران :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
محبة الله مستمعينا الكرام من أعظم مقامات العبادة ، عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله ، لأنها تسوق المؤمن للقرب ، وترغبه في الإقبال على الله ، قال تعالى في وصف المؤمنين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾
ومحبة الله مستمعينا الكرام هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أمره ، واجتناب نهيه، واتباع رسول صلى الله عليه وسلم في كل كبيرة وصغيرة ، وشرط المحبة لله الإحسان في العمل ، واتباع الشرع فلا تصح المحبة ، ولا تقبل الدعوة من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصالح، أما إدعاء المحبة مع عدم الالتزام بالشرع إدعاء كاذبة ، وغرور باطل من جنس أماني أهل الكتاب التي لا تساوي شيئاً عند الله عز وجل .إذاً مستمعينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب نتناول آية من آيات سورة آل عمران في هذا السياق في قول الحق سبحانه وتعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
نرحب دائماً كالعادة بضيف البرنامج الدائم الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
شيخنا الفاضل اليوم نتكلم عن محبة الله في هذه الآيات نتوقف بداية عند المعنى أو وجه مناسبة هذه الآيات لما قبلها من الآيات :
﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ﴾
إلى آخر الآية .الحبّ نوعان ؛ حبّ في الله وحبّ مع الله :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم بارك الله بك ونفع بك ؛ الله عز وجل خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، صحتنا بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، السلامة بيده ، العطب بيده ، بيده كل شيء ، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً فقال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
كأن الله اختار من بين كل العلاقات علاقة الحب ، لذلك الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، الحب في الله أن تحب الله ، أن تحب الأنبياء جميعاً ، أن تحب الرسل جميعاً ، أن تحب سيد الأنبياء والمرسلين ، أن تحب الصحابة جميعاً من دون استثناء ، أن تحب العلماء الربانيين ، أن تحب المساجد ، الأعمال الصالحة ، الأعمال المشروعة ، علاقة زواج وليس علاقة زنا ، علاقة كسب مشروع وليس علاقة يا نصيب ، أن تحب العلاقات المشروعة ، هذا حب في الله وهو عين التوحيد ، أما الحب مع الله فعين الشرك ، أن تحب جهة أقنعتك بعدم الصلاة ، أحببت جهة أقنعتك بالربا ، أحببت جهة أقنعتك بالمعاصي والآثام ، لذلك الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك ، لذلك :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾
الحب إدعاء ، وكلٌ يدعي وصلاً بليلى ، لكن البطولة أن يحبك الله .(( أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب ، تعلم أنني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ))
أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ، هذا ملخص الملخص .الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله :
الله قال :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
معنى ذلك الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله ، والآيات أنواع ، آيات كونية خلقه ، وتكوينية أفعاله ، وقرآنية كلامه .إذا قلنا إن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، وهذا المسار الإهليلجي له قطران ؛ قطر أطول ، وقطر أصغر ، الأرض الآن بالقطر الأطول ، والمسار بيضوي ، إهليلجي ، الآن تنتقل من الأطول إلى الأصغر ، المسافة نزلت بينها وبين الشمس ، فلابد من أن تنجذب الأرض من الشمس بحكم قانون الجاذبية ، الكتلة والمسافة ، المسافة قلت ، تزداد قوة الجذب ، فإذا انجذبت الأرض تبخرت في ثانية واحدة ، انتهت ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مسارها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
أن تنحرف ، يد من ؟ قدرة من ؟ علم من ؟ رحمة من ؟ آيات كونية ، المفروض أن نتفكر .﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
آيات كونية ، والموقف التفكر ، وهناك آيات تكوينية أفعاله :﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
وفي آية ثانية :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
الأولى فانظروا ، الفاء للترتيب على التعقيب ، والثانية ثم انظروا ، ثم للترتيب على التراخي ، الآيات الثانية تكوينية ، أداتها النظر ، انظر مصير هؤلاء المنحرفين ، العصاة ، الطغاة، ومصير هؤلاء الأتقياء هناك مسافة كبيرة جداً ، ثم القرآنية التدبر ، فنحن مع الكونية تفكر ، ومع التكوينية النظر ، ومع القرآنية التدبر ، مثلاً :
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
أي يا عبادي ! كلمتان تحكم العلاقة بيننا ، منكم الصدق ، ومني العدل ، تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم ، وهذا القرآن بين دفتيه لا يزيد عن أمر وخبر ، الأمر عادل ، والخبر صادق ، هذه الآيات التكوينية نظر ، القرآنية تدبر .المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى ، يقول لهذه الآية قول لتأويل قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في السبب الذي أنزلت فيه هذه الآية ، فقال بعضهم : أنزلت على قوم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : إنا نحب ربنا ، فأمر الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : إن كنتم صادقين فيما تقولون فاتبعوني فإن ذلك علامة صدقكم فيما قلتم من ذلك .وذكر بعدها بعض الأحاديث في هذا القول ، السؤال هنا شيخنا .
بطولة الدعاة أن يقدموا الدليل والتعليل عن كل ما يقولونه :
الدكتور محمد راتب :لكن قبل :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***
في هذه الآية شيخنا الخطاب ، أو سبب النزول كان على هؤلاء القوم ، لكن توجيه الخطاب من الله سبحانه وتعالى قل للنبي عليه الصلاة والسلام هل هو يمكن أن يكون أعم من ذلك الخطاب الذي هو في قوله :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾
الدكتور محمد راتب :طبعاً ، كل إنسان يدعي محبة الله ، أين الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، أنا سأقول لك : هذه المدينة كلها ملكي ، أين الدليل ؟ بالمناسبة كلمة رائعة لكل من يسمعنا ، لا تقبل بالدين شيئاً بلا دليل ، ولا ترفض في الدين شيئاً بلا دليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، وعود نفسك أن تطالب كل من حدثك عن الدين أن تأتيك بالدليل ، وكل من قال لك : هذا حرام ، أين الدليل ؟ هذا الدليل يعطيك فكراً فقهياً ، فكراً أصولياً ، أما قال لك : حرام فما الدليل ؟ حلال ، ما دليلك ؟ واجب ، ما الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، الله عز وجل قال :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
صار عندنا شيء آخر ؛ الدليل والتعليل ، الدعاة بطولتهم أن يقدموا الدليل والتعليل والحكمة :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
أمر إلهي يقتضي الوجوب ، الله قال :﴿ تُطَهِّرُهُمْ ﴾
من الشح .﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
ترقى بهم عند الله ، وعند الناس ، فإذا عودت نفسك كداعية أي مبتدئ أن تقدم الدليل والتعليل ، فأنت داعية موفق ، أما هذه حرام ، حلال ، لا ، قدم الدليل ؛ آية قرآنية ، حديث نبوي ، رأي فقهي قوي جداً ، مجمع إسلامي ، هذا الدليل والتعليل حكمة ، الحكمة مهمة جداً ، الحكمة مهمة جداً ، أنت بالحكمة تصل إلى قلوب الناس ، وإلى عقولهم معاً ، والإنسان عقل يدرك وقلب يحب .المذيع :
جميل ؛ فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الخطاب في هذه الآية :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
علام يدل توجيه الخطاب بقوله : قل ، للنبي عليه الصلاة والسلام ؟علامة محبة الله اتباع منهجه :
الدكتور محمد راتب :
هو يخاطب النبي ليقول لمن اعترض على بعض الآيات : أنا أحب الله ، أعبد هؤلاء الأصنام كي أتقرب بهم إلى الله ، جاؤوا بكلام شرك واضح ، قال له : قل لهم علامة حبك لله أن تتبع منهج الله ، أن تتبع تعليمات الصانع ، ألا تشرك مع الله أحداً ، أن توحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية الطاعة ، بل إن الله عز وجل لخص دعوة الأنبياء جميعاً بلا استثناء بكلمتين :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
دعوة الأنبياء جمعياً ملخصة في هذه الآية :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
المذيع :لماذا كان اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم علامة على محبة الله تعالى :
﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾
طاعة رسول الله عين طاعة الله :
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ ﴾
القاعدة النحوية الصرفية الدقيقة اللغوية :﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ ﴾
أن يرضوهما ، فجاءت كلمة :﴿ يُرْضُوهُ ﴾
بالمفرد لتؤكد أن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وأن عين طاعة الله عين طاعة رسول الله .﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾
أما السياق اللغوي والنحوي : يرضوهما ، استنبط العلماء من هذه الآية التي فيها ملمح دقيق نكتة بلاغية أن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وأن طاعة الله عين طاعة رسول الله .المذيع :
الأمر أتى هنا فضيلة الدكتور بقوله :
﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾
أي الاتباع ، لم يأتِ فأطيعوني ، الفرق بين الاتباع والطاعة لها دلالات خاصة ؟الفرق بين الاتباع والطاعة :
الدكتور محمد راتب :
الطاعة أمرت بشيء ، أما الاتباع فالنبي فعل كذا ، أنت إذا تزوجت ابحث عن امرأة صالحة ، الاتباع أوسع من الطاعة ، لو تلقيت منه أمراً ينبغي أن تطيعه ، أما حينما يأتي بسنة في إنفاق المال ، في أداء الزكاة ، في حسن الجوار فينبغي أن تتبعه ، فالاتباع في أمر ما مباشر ، أطيعوني واتبعوا أمري .
المذيع :
ترتيب المحبة على الاتباع شيخنا ؟
اجتماع تعظيم الله ومحبته والخوف منه في قلب المؤمن :
الدكتور محمد راتب :
المحبة أولاً دائماً ، الإنسان :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عباده إليّ نقي القلب ، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب ، تعلم أنني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))
الآلاء للتعظيم ، والنعم للحب ، والبلاء للخوف ، أي لابد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال آياته الكونية والتكوينية ، ومحبة له ، وخوف منه ، ذو الجلال والكمال تحبه وتخافه بآن واحد ، أو تخافه بقدر ما تحبه ، أو تحبه بقدر ما تخافه .المذيع :
في الحديث- فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي - الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فَهو ردٌّ ))
أي ربما هو المعنى المقابل لمعنى :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
لكن هو بشكل مخالف .(( منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فَهو ردٌّ ))
كيف نفهم هذا الحديث بسياق هذه الآية ؟الإجابة بالمصدر أقوى من الفعل :
الدكتور محمد راتب :
الإجابة بالمصدر أقوى من الفعل ، رد ، هذا المصدر ، أي مردود ، هذا فعل مردود ، لأنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هو المعصوم ، عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته ، أربعة بنود ، هو المعصوم وحده ، من أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، وفي صفاته ، فلابد من أن نتبع المعصوم والدليل أقوى .
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
لا يوجد مجال .المذيع :
علامات الاتباع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾
العلامات التي يترتب عليها أن يحبهم الله ويحبوه ؟علامات الاتباع :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة أن الإدعاء سهل ، الإدعاء سهل جداً ، أن ندعي أننا نحب الله ، لكن الدخل إسلامي ؟ لا ليس إسلامياً ، البضاعة محرمة ؟ نعم ، السياحة إسلامية ؟ لا ، فيها اختلاط شديد ، هذه العملية إسلامية ؟ لا ، غير إسلامية .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
علامة حبكم لله اتباعي ، علامة أن تؤثروا طاعة الله ، أن تؤثروا سنتي التي جئت بها، فأية دعوى للحب بلا دليل لا قيمة لها .أنا أقول مثلاً : كل القطر ملكي ، أين الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء .
المذيع :
﴿ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾
فضيلة الدكتور ؛ من يصل إلى مرتبة المحبة التي تبتدئ بالطاعة كما أشرت قبل قليل وتنتهي بمحبة الله ، جزاؤها عظيم كما في هذه الآية ، لنوضح هذه النقطة التي هي في قوله :﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾
أي المحبة والغفران ؟من أحبه الله أحبه كل شيء :
الدكتور محمد راتب :
يوجد نقطة دقيقة جداً ؛ أحياناً إنسان يغلط ، الذي أمامه من حين لآخر يذكره بغلطه ، فيحجمه ، أما الله عز وجل إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله وحافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، هذه التوبة النصوح .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
أنت ابحث في القرن عن : إن الله يحب ، إن الله لا يحب .أخواننا المستمعون ، أنت إذا بحثت في الانترنيت في البحث إن الله يحب ، يوجد ثلاث عشرة آية تقريباً :
﴿ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
﴿ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿ الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾
﴿ الْمُخْلَصِينَ ﴾
إلى آخره ، وابحث مرة ثانية : إن الله لا يحب ، يوجد منهج ، ليس علاقة مزاجية ، يوجد علاقات أحياناً بشرية مزاجية ، لا تعرف متى يرضى ، ومتى يغضب ، يغضب بلا مبرر ، يرضى بلا مبرر ، أما الله عز وجل فقد وضع منهجاً ، أحب هؤلاء ، الصادقين ، المحسنين ، المتوكلين التائبين ، أبغض هؤلاء ، فأنت لمجرد أن تستمع لهذه الآيات ، أو أن تقرأها إن طبقتها اعتقد يقيناً أن الله يحبك ، حب الله شيء مهم جداً ، أي إذا أحبك الله أحبك كل شيء ، حب الله لك أكبر نجاح في الحياة ، نجاح في شأنك الشخصي ، في صحتك ، بزواجك ، بأولادك بتجارتك ، بدخلك ، بإنفاقك ، بمكانتك الاجتماعية ، هذا الذي يتمناه كل إنسان .المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ الآية ختمت بقوله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
هذان الوصفان الكريمان للذات الإلهية ما مناسبة وصف الآية ؟الله تعالى كثير الغفران والرحمة لعباده :
الدكتور محمد راتب :
كلمة الغفور غير غافر ، الغافر اسم فاعل ، الغفور صيغة مبالغة ، أي كثير الغفران لألف ذنب ، وغفران لأكبر ذنب .
﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
غفرانه من رحمته بنا ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، هو الرحمن الرحيم .أنا أذكر مرة كنت في مستشفى الأطفال أزور مريضاً ، فوجدت أن المؤمنة تضم ابنها المريض وتبكي ، وغير الملتزمة تبكي ، وغير المتعلمة تبكي ، والمثقفة تبكي ، لذلك الله عز وجل أودع في قلب الأمهات رحمة ، يا ربي ما هذه الرحمة التي ترحم بها الأم ولدها ؟ قال : هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه ، رحمة الله بأولادها رحمة الله ، لذلك قالوا : رحمة الآباء والأمهات بأولادهم طبع ، أما بر الأبناء للآباء فتكليف ، فالبر تكليف ، أما محبة الآباء للأبناء فطبع ، هكذا فطرنا عليه .
المذيع :
الآية السابقة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ختمت بقوله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
وهذه الآية ختمت :﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
كيف ترى مناسبة ختم الأولى بنصها الرؤوف ، والثانية الغفور ؟الفرق بين الغفور والرؤوف :
الدكتور محمد راتب :
أحياناً الغفور الذنب لا تحاسب عليه ، لكن رؤوف أبلغ ، أحياناً ينسيك هذا الذنب ، بين أن أذكرك به من حين لآخر ، مع أني لم أحاسبك عليه ، وبين أن تنسى هذا كلياً هذا معنى رؤوف، من الرأفة ، الغفور أي لم تعاقب عليه ، أما الرأفة فما ذكرك به ، إذا رجع العبد إلى الله الملائكة تنسى هذا الذنب ، أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، هذه رأفة .
المذيع :
في الآية التي بعدها في سورة آل عمران :
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾
هل شيخنا هي توضيح لآية :﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾
على الإنسان أن يطيع ربه انطلاقاً من حبه لذاته :
الدكتور محمد راتب :طبعاً ، لكن أنا أتمنى على الأخوة المستمعين مرة ثانية أن يبحثوا في أي برنامج عن كلمة : إن الله يحب ، عدد هذا يفوق عشر مرات ، ثم عن : إن الله لا يحب ، فكل أخ مستمع طبق الذي يحبه الله وترك الذي لا يحبه الله كان أقرب إنسان إلى الله ، طبق الذي يحبه ، والذي لا يحبه، وهذا هو منهج الإسلام ، الحقيقة تعليمات الصانع ، الصانع هو الجهة الوحيدة الخبيرة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، والإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، وبتعبير شائع من أنانيته ينبغي أن يطيع ربه ، لأن الصانع هو الوحيد الذي يعلم ما يسعدك ، وما لا يسعدك .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ في قوله هنا :
﴿ وَالرَّسُولَ ﴾
هي جاءت معرفة من غير إضافة ، ليس وأطيعوا الله ورسوله ، هنا :﴿ وَالرَّسُولَ ﴾
هل لها دلالة خاصة ؟الفرق بين الرسول ورسوله :
الدكتور محمد راتب :
أحياناً رسول الله إشارة لمحمد ، أحياناً بعصور لاحقة يأتي إنسان يبلغك رسالة من القرآن فكأنه رسول الله إليك ، رسول ليست بالمعنى الاصطلاحي ، معه وحي ، معه بعثة ، الملك يبعث رسولاً أحياناً لملك آخر بهذا المعنى أخذت معنى آخر .
المذيع :
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾
التولي شيخنا ، الإعراض هنا ؟التولي تكذيب وإعراض والإيمان تصديق وإقبال :
الدكتور محمد راتب :
الإعراض ، الإعراض هو دائماً وأبداً .
المذيع :
ولا أشد من الإعراض .
الدكتور محمد راتب :
دقيقة عندنا يقين وإقبال ، وشك وإدبار ، دقق ، فالتولي هو عدم تصديق هذا الكلام مع الإعراض، ليس عدم التصديق فقط ، تصديق وإقبال ، تكذيب وإعراض ، فالتولي تكذيب وإعراض ، أما الإيمان فتصديق وإقبال ، جانب معرفي ، إدراكي ، وجانب نفسي ، إقبالي .
المذيع :
لذلك الآية فيها تكذيب وإعراض فختمت :
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾
الدكتور محمد راتب :الله عز وجل ذات كاملة ، يحب عباده ، هذه من الصفات الكاملة لله عز وجل ، لا يحب الكاذبين ، لا يحب المتكبرين ، لا يحب المسيئين ، وهناك دائماً آيات يحب ، وآيات لا يحب، هناك إنسان يسعى لما يحبه الله حتى يحبه قطعاً ، ويسعى أن يبتعد عما لا يحبه حتى ينجو من عذاب الله فعلاً .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات ، وعلى حضوركم معنا في الأستوديو ، شكراً جزيلاً لكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته